وَعْد الياسمِين
أمشِي في
الشارع الضيّق..أحمِل ابتسامتي التي لم تكن بنفس الاتساع وقتَها، أنت تقُول أنه
نفسُه.. وأنا أقول لم تكُن كذلك.. أفكّر في هذا الخاطر وابتسم أكثر .. هل نختلف
الآن على قدر الحُب؟ ومتى بدأ؟
عُشّاق
وكذّابين كُثُر مرُّوا من هنا.. وتوقفّوا أمام هذا الحائط.. بعضهم كان يعرف ماذا
تعني هذهِ الجُملة.. وبعضهم كان يعرف من كتبها في أيّ قصيدة، وبعضهم كان يعرف من
كتبها على الحائط شخصياً، وبعضهم كان يعرف كُل هذا وأكثر، لكنيّ كُنت دهشةً لا
تتوقّف .. لا أعرف شيئاً ولا أريد أن أعرف..
أمشي في
الشارع الضيّق وأتوقّف أمام الحائط الذي كان يحمل تساؤلاً عن الياسمين.. أقترب منه
قليلاً وأبتسم.. وأرتبك.. وأتفاجَأ كأن السنين لم تمُر .. وكأن قلبي الذي نبَض هنا
لازال ينبُض في نفس المكان، للبشر قلوبٌ تنبض طوال الوقت طبعاً، لكن قلوبهم
تتبدّل، في وقت أقل من هذا وبحوادث أصغر، أعرفهم، وأعرف حكايات كثيرة عنهم، أعرفهم
فأنا كنت واحدة منهم ومثلهم ورُبما أسوأ، لكن قلبي ينبُض، ينبُض بنفس النبض
المتتابِع الدَقيق، الذي لا يعرف شيئاً، لكنه هذه المرة يريد أن يعرف ..
أمسك
الهاتف، تراودني فكرة الاتصال بك، قد يكون قلبك ينبُض هنا أيضاً بنفس التتابُع
الدقيق الخاص بي وحدي، صاحِب وجودي قُربك، أفكّر.. لم تعُد الكتابة الزرقاء موجودة.,
فأين هوَ الآن؟
أصبحت
هناك بعض الأشياء التي تُثبِت أني أحبّك غير الكتابة – مع الاعتذار لدرويش – لكن التليفون
الذي يُظهر الصورة التي أحبّها، ينظُر إليّ متسائلاً.. هل يكفي هذا؟ ماذا تعرفين
عن عالمه أصلاً؟
أعيده
إلى الحقيبة .. وأبتعد أكثر عن الحائط..
أنسُّل
من بين أصدقائي، وأمشي في الشارع الضيّق .. أفكّر في المغامرة التي نختارها،
وأفكّر في رسائل البحر الأخيرة، أرفع قدمي على الرصيف، ليهبِط الكعب العالي على حجَر،
فيختّل توازني لثوانٍ .. أخاف اختلال التوازن المفاجئ! يُشبهك كثيراً ! كثيراً
جداً!
أتوازن
فوراً وأعتدل وأعود إلى أصدقائي..
أحملُ
صورةً قديمة للكتابة الزرقاء التي تحمل تساؤلاً عن الياسمين.. من حين لآخر أتطلُّع
إليها.. وأتساءل أنا أيضاً عن الياسمين.. أحسب عُمره بالشهور والسنين، وأتذكّر
أسماء الشهور بحسب ما يحدُث بيننا، مارس شهر الياسمين الأثير، وشهر الإسكندريّة،
وشهر الأحلام التي نُصدّقها أكثر من واقعنا، أنفَلِت من الحوادث والموت والفقد
والبُعد وغَلبَة القهر في الساعات الأولى من مارس.. وأمشي في الشارع الضيّق..
أقترب من الحائط.. أقترب من الحائط أكثر بخطوات ثابتة.. ألتصق بِه.. أُغمِض عيناي
وألصق ظهري بالحائط الأبيض المُتسخ.. وأتخيّله يحمل كتابةً زرقاء عن الياسمين، أتخيّلنا
نمشي في هذا الشارع، وأنا أندهش بالفرحة الأولى، وبذكريات كُل الأعوام، وبحُب كُل
العمر، هل أتخيّل أم أننا كذلك فعلاً؟ معاً كأننا لم نفترق.. ونُصدّق كأننا لم
ننكر الياسمين أبداً؟
قلبي
ينبُض! أحبّك ! ابقَ معي ولا تذهب! إلى أين تذهب؟
أفتح
عيناي وأنظر إلى الهاتف.. لا يكفيني .. أتجوّل في الكتابة الزرقاء.. أبحث عن إجابةٍ
لتساؤل عن الياسمين، أمسك حجراً وأقذفه على شباكك الزُجاجي، لم تُطِل من الشبّاك
كما وعدَتني الأغنيّة، أفكّر في الصعود على الشجرة، لا توجد شجرة أصلاً، أفكّر أن
الكاتب الجيّد يصنع شجرة ويتسلّقها، ثم أنفض الخاطر عن ذهني، هل هذا وقت الكتابة!
هذا وقتي أنا وأنت.. وأنا لا أكتُبَك لتكون، أنت هنا قبل أن تَشرُق بالكتابة،
فكّرت..
سأكتب جسراً بيني وبينك!
سأكتُب جسراً أسير عليه إليك، أينما كُنت بهذا العالم، وأيّا كان ما يمنعك عنّي.. يكفِي أن أرَاك على أوّله لأسير إلى الجانب الآخر من العالم..
جسراً بالكتابة الزرقاء وبالحنين وبالياسمين، وبنبض
قلبي المُتتابع الدقيق، وبكُل خطوةٍ تخطوها ناحيتي، وبكُل حرفٍ دعوت الله أن
يُغيّر القَدر بهِ، أنا وأنت ولأيّام حُرّة، لا تكفينا فيها الكتابة، ولا مكالمات
الهاتف، أيّام لن نُشفى فيها من الياسمين أبداً.
Comments