يراعَة


وأسألُه كيف يحنو الله علينا ونحنُ لا نرى؟

فيقول:يحنو الله علينا بالآخرين

لكّن الآخرين جحيم..

يُكمل عبارتي الداخليّة بابتسَامة: جحيمٌ نحنُ نصنعُه

أقاوم رغبتي الشديدة في التهريج، أوّل ما يتأتّى لي"كلّمونا بالهجايص"، يضحك دون أن أنطق

يقول: يعني بلُغة رجُل الشارع، نحنُ من يصنع من الآخرين جنّةً أو جحيماً، بقدر وعُمق علاقتنا بهم، بالتفاصيل التي تجمعنا، بالرّوح التي تربِطنا، وبالوقت الذي يمضي علينا سوياً، فيضع ما يضع ويُذهب ما يُذهِب..

مُخيف بعض الشّيء أن يحنو الله عليك بمن يفهَمك دون أن تَنطِق..

هل الحنو يا الله أن أخاف؟ هل القلبُ الذي بين يديك تقلِّبه كيف تشاء قَدره ألّا يرى الصافي بعينيه أبداً.. لكن الله لا يجيبٌ دائماً بهذا الوضوح.. ولا تُلقى علاماته بكُل الطُرق.. والدُنيا واسعة، واسعة جداً، ويبدو رأسي فيها كعصفورٍ ضئيل ما بين الهروب من شبكات الصيّادين وبين التحوُّل لفراشة..

في الحقيقة أنا لا أريد أن أتحوّل لفراشة! أحبّهم من بعيد، لكنّي أريد أن أتحوّل ليراعة، تعجبني هذهِ الفِتنة جداً وتُناسبني أكثَر .. 

ضوءٌ حنُون، لا يحرقِ الجسد، لكنُّه يصدر منُه، تفاعلات كيميائية مع الطبيعة أيضاً واجِبة حتى تُنير اليراعة، واليراعة تُضيء لنفسها 
وللآخرين من قبيلتها ومن نفس نوعها، وتعرف الدخلاء وتهرُب من الحيوانات التي تتغذّى عليها بإشارات إضاءةٍ مُتقطّعة، تُميّزها أو تُرهب أعداءها، كما أنها تُغازل بالضوء أيضاً، ويصِل الإناث الذكور عن طريق ردّهم على الإشارات الضوئية ذات الإيقاع المُميّز بإيقاعهم الخاص، وتتجاهلهم بالظلام التام.

لابُّد أن هناك شعباً على الأقل عبَد اليراعات، ونَظر إليها على أنها ظِل النجوم على الأرض، ورُبّما امتدادٌ للآلهة القديمة، أو ربّما أرواح الأجداد تطمئّن على نسلَها وتُرسِل له الإشارات الضوئيَة لتعينُه على الدُنيا..

ماذا تريد إنسانة مِثلي أكثر من الطيران المُضِيء؟

لاشيء تقريباً .. لكن الله لم يعُد يخلِق الأجنحة في هذا العالم، ولا يُغيّر تفاعلات الجسَد الكيميائيّة فجأة ليُنير حين يقتحمُه الأكسجين

لكنُّه يحوّلني إلى يراعةٍ في لحظَة، حين يحنو عليّ بالآخرين.

“Moon climbing” Art work by Los Tomatos a lover climbing the moon for his beloved

Comments