"للحُب فرصة أخيرة "

نُشر هذا المقال على موقع "الحُب ثقافة" منذ عامين! وفي إطار تجديد الموقِع، تم حذفه، لكنّه عزيز على قلبي جداً، وبداية لمرحلة أحببتها وتعلّمت منها ولازلت أتعلّم وأستزيد، فها هو المقال ليجدُه من يبحَث عنه، أو عن الحُب :)

الصورة من tumblr


يقول نجيب محفوظ أن "القلب يعرف أكثر ممّا يتصوّر العَقل"، للوَهلة الأولى لا يبدو هذا صحيحاً، أيعرِفُ القلب أكثر فعلاً؟ لماذا إذن كُل اختياراتنا الخاطئة وعلاقاتنا المُنتهية وتجاربنا الصعبة؟
ما الذي يعنيه القلب حين يقول أنّه يعرف أكثر؟ أنه يشعر، يُميّز الأشياء والأشخاص بالقُرب والبُعد، والأهم يُميّزهم بالكُره والحُب، وإذا كانت الكراهية واضحة تماماً، كما قال العَرب قديماً "كأنُّه من بُغض طَلعتِه يمشي على كَبِدي"، فماذا نعرف عن الحُب؟
أهلاً بكُم في 2015، القاهرة، جمهورية مصر العربية، في وسط آلاف التعليقات اليوميّة ومساحات التواصل الاجتماعي الافتراضيّة والحقيقية، وبعد آلاف الأعوام من محاولات التواصل الفاشلة أيضاً بين الرجال والنساء، لا زال هذا السؤال يبزغ من حين لآخر: "ما هو الحُب؟" عندما ترَى علاقة بين أخيك الأصغر – لم يُنهِ الإعدادية بعد- وزميلته في المدرسة يتعاهدان فيها على الزواج، أو عندما تسير على كوبري الجامعة في يوم "عيد الحُب" المشهود فلا تكاد ترى حجارة الطريق من فَرْط "الدباديب" الحمراء، أو ربّما إذا كنتم بين الخامسة والعشرين والثلاثين، دخلتم علاقات كثيرة وخرجتم منها، فهل كان الأمر حُبًا حقاً؟
في الحقيقة هذا السؤال أرهق الكثيرين، أدباء وشُعراء وفنّانون وفلاسفة بطبيعة الحال، حاولوا الإجابة، ولكن كُلّما مرّ الزمن وتطوّرت الدُنيا عن النشأة، تتنوّع أشكال العلاقات بشكل مُذهل، فبدأ الأمر ينقسم بين الجنس والحُب، ثم الإعجاب والحُب، ثم الارتياح والقَبُول، ثم أصبحت الحياة مُرهقة وتمتلئ بالكثير لتفعله، فبدأت تظهر علاقات فقط تبحث عن الطمأنينة والهُدوء في نهايات الأسبوع.
لقد أرهقنا نحن أيضاً تعريف الحُب، جيل الثمانينات في أواخر العشرينيات من عُمره الآن، ويبدو أكبر سناً بالطبع لأن ثورات الربيع العربي – أو الخريف – طبَعَت أثرها غير المسبوق عليه، لم تُعد العلاقات بنفس السهولة إلى نفس الخانة، بعد حالة الثورة و"يوفوريا" الميادين وتحقُّق الأحلام والتوقُّعات العالية.
في مرحلة سابقة، كانت تُعرف بيننا باسم "العلاقات الثوريّة"، علاقات تكوّنت في الميدان وبعده، تأثّرت بحالة البهجة وارتفاع سقف الحُريّة ، فشلت هذه العلاقات عندما انتهت "الحالة" التي صنعتها، وفي مرحلة لاحِقة، كانت هناك علاقات تكوّنت بإحساس انتظار" نهاية العالم"، يجب أن نكون سوياً الآن فنحن لا نعرف ماذا يحدث غداً، ولم ينتهِ العالم بالطبع، بالعكس، دخل في مرحلة أكثر سواداً، وانتهت هذه العلاقات لأنها كانت أكثر هشاشة من أن تحتمل الاكتئاب المُزمن والحُروق النفسيّة والرغبة في الهجرة.
الحياة يجب أن تُعاش، أن نُحب وأن نتحَاب، أن نحاول مرّة أخرى
ثم بدأت مرحلة الحذر، الخوف من الفشل المتكرر، التقدُّم في السن، الرغبة في الاستقرار، السواد الذي لا ينتهي في الشأن العام، وبالتالي يؤثّر على مزاج المُحبّين، يؤثر على تعاطيهم اليومي معاً وعلى رغبتهم في العيش المشترك، ويجعل كُل إظهار للمشاعر هو سبب للسُخرية التي تصل في أحيان كثيرة للحِدّة.
الإنترنت، السفر، بيئة العمل الخارجة عن النّمط التقليدي، وأحلام الصعود الطبقي، كُلها أثّرت وزادت الاختلافات ومعدّلات الطلاق، ثم دخلت أنماط جديدة من العلاقات، منها العلاقات المثليّة، التي أصبح المُجتمع أكثر جُرأة في الحديث عنها مؤخراً، بغض النظر عن لهجة أغلب وسائل الإعلام في التعامل معها بالشّكل الفضائحي، فالحديث عن أمر يعني أن إخفائه لم يعد مُمكناً.
لم يعد الحُب يُذكر كثيراً في مصر هذهِ الأيّام، لكن دورة الزمن، أرجعت الأمر مرّة أخرى في سياق الشخصي، انتبه أصدقائي على أن الحياة يجب أن تُعاش، أن نُحب وأن نتحَاب، أن نحاول مرّة أخرى، رغم أن الحكايات أصبحت أكثر تعقيداً، وظهرت أنواع جديدة من التعلق بالجنس الآخر ومن الأمراض النفسيّة أيضاً ، الهَوَس، حُب التملُّك، دواعي إكمال الصُورة، الانجذاب الجسدي، وكلّها تتراوح في علاماتها وتختلط معاً.
القَلب الذي مَر بكُل ما سَبق، ولازال ينبُض، فهو بالتأكيد يعرف أكثر! الإحساس الذي نُحلّله، ونُفسّره بالعقل، نُرجع الأمر فيه إلى الشأن العام، أو نُغلق عليه الشأن الخاص، نأخذ رأي الأصدقاء، أو نفعل ما تُمليه علينا أنفسنا، نقرأ مقالات كهذا المقال أو لا نقرأها، نذهب كثيراً وفي كُل مرّة نعود، هوَ الحُب، هو بَصَر القلب الذي يُمر بكُل هذا، ويبقَى.
وهذه المساحة الصغيرة المُترددة، ستكون مخصصة دائماً لكُل ما مَر به الحُب حتّى يبقى، لنُعطِي للحُب فُرصة أخيرة. 

كتبت: وئام مختار 
المدونة تعبّر عن رأي كاتبتها وليس بالضرورة عن رأي موقع "الحب ثقافة"



Comments