ستة أحلام كهذهِ تكفي.
حسناً..في الحُلم الأوّل كنتُ أرى كلُّ شيء، و أسمعُ كلَّ شيء، و أحسُّ كلَّ شيء..المشاعرُ صلبةٌ و حقيقية حتي تكادْ تلمِسْها بيديك،و تُشكّلها كيفما تشاءُ بقليلٍ من الماءِ المُضاف إليهِ ماءَ الورد،الأشجارُ و البنايات و الناس و الشوارع ..كل هذا و أكثر.. كان موجوداً فعلاً..حقيقياً ..باسمهِ و صفتِهِ و كاملِ حُضوره و تكوينِه.
في الحُلم الثاني..بدأتْ الصورة تهتزُّ قليلاً..لم تعدْ الحواس بكاملِ عُنفوانها كالسابق..بدأتْ حاسةُ الشمِّ في الاختلال أولاً..لم تعدْ روائحُ الأشياءِ كما كانت..داخَلَها شيءٌ ما لا تَدْري كَنْهُه، مهما حاوَلتْ وَصْفهُ لن تستطيع،و هذا ليس نصاً أدبياً كي أُحاول الإمساك بصورٍ بَليغة و إيضاحْ معاني مُسْتترة،هو شيءٌ أصابَ الروائِحْ..فلم تَعُدْ كما كانت..و فقط.
في الحُلم الثالث..انتقلتْ العدوى إلي الرؤية..لم تعدْ الأشياء كمُسمياتها..لم يعد ممكناً أن أشيرُ إلي قِطةٍ تَسيرُ في الشارع ،و قطةِ كتابِ القراءة تحت حرفِ القاف،هناك شيءٌ مُختلف بين الاثنتيْن..لم تعد الأشياء مثلما هي في كتابِ القراءة..تغيّرت صورةُ الأشجارِ و الوُرود و القطط و الأطفال و البحيرات الصغيرة التي يصنعها المطر و الليالي الخريفية و ورق الشجر المتساقط و ساعة الميدان و علامات الشهور في نتيجة الحائط..كل هذا تغيّر و لم يعد يَشْبه صورتِهِ في كتابِ القراءة.. هذه ليستْ قصيدةً لأختصر المعنى في جملةٍ من ثلاثِ كلمات،أو أختزل الصورةُ المهتزّة في تعبيرٍ رفيعِ المُستوى،هو شئٌ أصابَ الرؤية..فلم تعد كما كانت..و فقط.
في الحُلم الرابع..بدأتُ أقلقْ علي حاسّةِ السمع..فطفقتُ أسمع كل الموسيقى التي تَطالها أذناي،و أكلّم الناس لاسمع أصواتهم المختلفة و أميّزُها،و أُلقي بالشيءِ على الآخر لأنصتُ لصوتِ الارتطام،و كنتُ أسمعُ و أميّز فعلاً..و لكن شيئاً ما في رنّة الأصواتِ التي تخرج من الأشياء..أو التي تصدرُ عن الناس..لم يعدْ كالسابق..ربما هو الإيقاع..ربما هو اللحن..ربما النغم..لا أعرف..ظلّت الموسيقى علي حالها و اختلف كل شيء..و أنا لا أؤلفُّ لحناً الآن لأحافظُ علي دقّة العلامات..هو شيءٌ أصابَ الأصوات..فلم تعد كما كانت..و فقط.
في الحُلم الخامس..جلستُ علي الرصيف في البدايات..لكى أحصِرُ ما تبّقي لي من الحواس..فوجدتُ في يدي فجأةً قطعةً من الشيكولاتة،فتحتها بشغفٍ يليقُ، و أكلتها كلَّها،بينما كنتُ آكلها،استمتعتْ جداً..و حالما أنتهيتْ؛ أكتشفتْ أنه لا طعم لها!..هكذا! بلا أي مبررات ولا حيثيات للقرار ولا تحذيرات مسبقة"انتبهي،ستفقد الشيكولاتة طعمها بعد قليل"لم يقل لي أحدٌ ذلك..لمحتُ رجلاً يمشي مُسْرعاً علي الجانبِ الآخر..قلتُ كل شيءٍ يفقدُ طعمهُ إلا قبلةٌ مُفاجئة..ذهبتُ إليه..فقبلني و لَعَقْ شفتيّ و نظرَ في عيني و مضى،نظرتُ في عيني فأكتشفتْ أني لم أشعرُ بمذاقِ القبلة،و لا أتذكّر طعم ريقه!..يا للنهارِ الغائم..أنا لا أصنعُ الحلوى الآن كي أهتّم بالإضافات ..هو شيء أصاب طعم الأشياء..فشابَها شيءٌ من المرارة و أشياء أخري لا أعرفها..فلم تعد كما كانت،وفقط.
في الحُلم السادس..أصبحتُ كالعاجزِ لا أملِكُ إلا احساسي المشوّش بالأشياء و الأشخاص..دائمةُ الدوران في حلقاتٍ مُفْرَغَة : كأن أمشي في شوارعٍ مُتشابهةٍ تَؤدي إلي بعضها في نهايةِ المطاف،اختلفتْ الرؤية و الروائح و الأصوات و الطُعوم..حتي الإحساس تكدّر بدرجةٍ مُزعجة..درجة محايدة عاهرة جداً..تلعبُ بأعصابك..فتارّةً تشعرُ أن احساسك في أوْجهْ،و الأخرى تشعرُ أنّه لا شيء..الاحساس هو أهم الحواس في نظري..عندما تبدأُ حواجزهُ في الارتفاعِ فهُنا الخطر..و احساسي حواجزهُ ارتفعتْ امام البحر شخصياً في الحلم السادس،و هذا لا يبشر بخيْر..فقلتُ في نفسي:أنا لا أكتبُ نصاً أدبياً أو قصيدةً أو أؤلف لحناً أو أصنعُ حلوى أوحتى أرسمُ لوْحة ..أنا أحلمُ لعلّي أجدُ طريقاً يُناسبني..و عندما جلستُ علي الرصيف في النهايات..وجدتُ القمر ساطعاً وحده..و يشبهُ صورته في كتاب القراءة تحت حرف القاف،و ووجدتُ وردةً بيدي رائحتًها تكاد تسكرني،و سمعتُ اللحن المميّز لدخولِ كارمن على المسرح كأنها تخْطُرْ امامي،ووجدتُ طعم ريقهِ في فمي فجأةً حتى أكادْ أصفهُ للمارّة..و عندما بدأتُ في الارتفاع عن الرصيف..عرفتُ أنّي وجدتُ الطريق.
Photography by: Ahmed Magdy Ahmed
Comments
إنتي مستنية إيه؟
مستنية تتجوزي الولد اللي بتحبيه؟ يوم القيامة ربنا مش هيسألك اتجوزتي مين
مستنية تخلصي الكلية و تتخرجي و بعدين تقعدي على "المشربية" سنة أو سنتين لحد ما يجيلك شغل؟ يوم القيامة ربنا هيعاقبك على الوقت اللي ضيعتيه و مش هيكافئك على حاجة جاتلك لحد عندك
مستنية تسافري؟
يوم القيامة ربنا مش هيسألك انتي عشتي حياتك في أمريكا أو في سويسرا أو في السيدة زينب
مستياني أنا مثلا؟ مش فاضي
تخيلي لو يوم القيامة جه النهاردة و انتي لسه ما كتبتيش كتاب واحد .. هيبقى شكلك زبالة
أبوس إيدك و أقشّر نايل-باينتيك بسناني .. كفاكي أحلاما مؤجلة
أقوللك على حاجة؟ ارتفعي عن الرصيف