شَفَتيه
تَعرِف عندما أبدأ بكلمة "طيّب" فمعناه أنّي كُنت أفكّر كثيراً
قبلها .. لكن ماذا عندما أبدأ بكلمة "لكن"؟
أصعد درجات السُلم القليلة التي تفصل بيننا .. وأنظر إلى أعلى كثيراً لأن
هناك درجات من عليّين تفصل بين جسدينا.. هناك ما يحول دائماً بيني وبينه .. كُل نظرةٍ منه
تُرهقني وتردّني إلى زمنٍ قديم وحُبٍ أزليّ .. لستُ متأكدة تماماً إن كُنت أعرفه
أو لا .. لكّن شيئاً في نظرته
يأتي من هناك ليأخذني.. وأهرب من نَظرته كُلّما استطعت .. أريد أن
أرى الحاضر والآن.. ما الذي يحدّث الآن؟
لكّن لمسةً من يده تسحبني.. تسحبني وترفعني إلى سحابٍ مُقيم في سقف
الغُرفة، أقترِب أكثر.. إنحدارٌ في زاوية فمه يُخفي الأرض من تحت
قدمّي .. أسقُط في
فراغٍ فسيح .. ويهوي قلبي من عِلٍ..فأجفل وأشهق!
يبتسم.. يعود الإنحدار إلى موقعه كأنّه لم يتحرّك قبلاً .. أذهب أنا إليه،
مترددّة الأنفاس، شفته العليا تستقبلني، والسُفلى تضم محيطي كاملاً، يفيض نهرٌ من
الباب القريب فجأة، يندفع الماء إلى الداخل، يفتح زاوية عينيه قليلاً يراقب اقتراب
الماء، ويقبّل مكاناً مُظلماً في روحي أخفيته جيداً، كيف وجده؟
تجرّني الشرور من رأسي، وتصعد الذكريات السيئة إلى السطح بسُرعة، روحي تنسحب
إلى الداخل، نورُها يخفُت، وشفتيه تبتعد.. لكني لا
أريدها أن تبتعد، أريد أن أنجو،
أهتف بشفتيه، اقتربي! انقذيني! أنا هنا!
يبتسم.. تقترب الأنفاس التي صرت أعرفها من وِجنتيّ، أتشبّث بها، أريد أن
أتنفّسها جميعاً، وأفكر في بيت شِعر جديد" في قُربك لا
أحتاج للأكسجين" ،
تجري روحي كالمجنونة من نِزيف الشِّعر، تلاحق الشفتين على الكتفين، وعلى الرقبة وعلى
الوجنتين، حتى تنطبق شفتيه على شفتي بالضبط، بالضبط، تنسحب كُل الأشبَاح إلى عُمق
الداخل، ويسود السكون.
شفتيه تَعِد.. تلمس قدر إصبعين من جلدي وتَعِد بالفَرح، تلمس كَتفيّ وتَعِد
بنهرٍ يفيض ورُوحٍٍ تطفو، تلمسُ عنقي وتَعِد، بسكونٍ يُجبر كُل الشرور على البقاء
في القاع، تلمِس شفتي وتَعِد، بقلبٍ سيجد من يتلقفّه في كُل مرة يسقُط من شاهِق.
The Kiss by Gustav Klimt |
Comments
لو رجعت للتدوين تاني
أنا خليت المدونة بتاعتي خاصة لو حابب نتواصل الإيميل بتاعي
newmido26@gmail.com
و طبعا أتشرف بيكم
لأنكم أعز أصدقائي