اللانجيري التنكري: هكذا تتحكم العولمة فيما يثيرنا جنسياً *
تصوير: وئام مختار |
أنا أرتدي نظارة طبيّة،
أرتديها منذ بداية المراهقة تقريباً، في نفس الوقت الذي كانت البنات في الفصل
والمدرسة حولي يسعيَن لتقليد المذيعات ونجمات السينما، وإظهار جمالهن ومفاتنهن
والتخلّص من أي شيء قادم من سنوات الطفولة، وأهم هذه الأشياء كان النظارة بالطبع!
عانيت كثيراً من أسئلة عن
مستوى حدّة نظري أو محاولات لجعلي أتوقف عن ارتدائها في المناسبات، وفي الشارع،
كانت التهكم: "ذات الأربع عيون" هو الأسوأ على الإطلاق.
لكن عندما كبرت قليلاً، وفي
سنوات الجامعة وما يليها، كان للأصدقاء والزملاء الذكور رأي آخر: اعجاب شديد بشكل
عينيّ داخل إطارات النظارة الطبيّة! ويصل في بعض الأحيان إلى مقارنات بين صوري بها
وصوري بدونها، ومطالبات بصور بمختلف أشكال النظارات!
الفيتيش fetish وهو
الهوس الجنسي، بمعنى الانجذاب الجنسي الشديد تجاه عضو ما في الجسم ليس جنسياً، أو
منطقة معيّنة في الجلد، أو حتّى سلوكيات معينة كالتدخين، أو ملابس وإكسسوارات
كالنظارة الطبيّة أو الملابس النظاميّة، شيء لا يفسّر إلا بعوامل نفسية معينة في
فترة الطفولة أو بلوغ الشهوة الأولى، قادت إلى الانجذاب الشديد والتعلّق بشيء ما،
لا يمكن تفسيره بأثر رجعي، وحاول العديد من علماء النفس، أن يرجعوا هذا الإعجاب
إلى حادثة معيّنة، ولكنهم فشلوا في الوصول إلى تعميم، عدا في الحالات المرضيّة
للهوس الجنسي، حين يتعلق الأمر باعتداء جنسي حدث للفرد في فترة الطفولة، أو بعقاب
الشهوة في فترة البلوغ، حين يعاقب الأهل أولادهم إذا لاحظوا تلامساً جنسياً أولياً
أو على محاولات الاستمناء، فيرتبط في ذهن الطفل العقاب بالشهوة الجنسية، ومع الوقت
تصبح حالة العقاب سبباً في المزيد من الإثارة، وقد يتخذ هذا ميلاً متطرفاً ناحية
الممارسات السادية والمازوخية BDSM.
بينما بشكل عام وبعيداً عن
الانحرافات الشديدة، هناك مكوّنات إثارة تتشكّل لدى الإنسان أثناء سيره في الحياة،
وتعرّضه للمجتمع وللأهل وللفن، مثلاً فيتيش النظارة الطبيّة – الذي استمتعت بآثاره
كثيراً - وهو أحد أشهر أنواع الهوس الجنسي المرتبطة بالجنسين، ينجذب فيه الشخص
لمرتدي النظارات الطبية، ويثار جنسياً من رؤيتهم بها، ويرتبط في الغالب بعدد كبير
من السيناريوهات "الأدوار" الجنسية، مثل الطبيب\ة، والمريض\ة أو
المعلم\ة والتلميذ\ة في خيال يدعم صورة الشريك المثيرة.
وهناك أنواع كثيرة من
الفيتيش، مثل الهوس الجنسي بالأقدام، والهوس بالتلصص على الآخرين أثناء ممارستهم
الجنس، والهوس بممارسة الجنس في الأماكن العامة، والهوس بمنطقة البطن، والهوس
بمنطقة تحت الإبط وهنا تتعلق برائحة الجسد الخاصة بالشريك، والهوس بالوشم، وكلما
اقترب الوشم من الأماكن الحميمية كلما زادت جرعة التأثير الجنسي له، ويليه في ذلك
الهوس الجنسي ب"ثقب" الجسد، مثل تركيب حلية في السرّة أو في الحاجب أو
الأنف أو مناطق أخرى، وكلما زادت حميمية المنطقة التي تم ثقب الجلد حولها لتركيب
حليّة ملوّنة، كلما زادت الإثارة.
أثناء مروري ببعض المحلات المتخصصة في بيع اللانجيري
في وسط المدينة – وأنا أرتدي نظارتي الطبيّة بالطبع – فكّرت في تبدّل هذه الفتارين
العديدة وتلوّنها بمختلف أنواع البضائع التي تفرض – وتخدم - نمطاً معيناً من
المتعة، أو من الفيتيش، المصريّون بطبيعة الحال، حذرون جداً فيما يخص الجنس،
متناقضون جداً في أي شيء يتعلق به، أو يتعلق بجسم المرأة أصلاً، يضعون الفوط
الصحيّة في ورق جرائد وأكياس سوداء حماية للفتاة من نشاط بيولوجي طبيعي يحدث لها
كُل شهر شاءت أم أبت، لكنهم في نفس الوقت يعرضون ملابس "المتعة" في
الفتارين ويتنافسون على بيعها وشرائها وتنويع أشكالها وأنماطها.
في موضوعنا اليوم فيتيش
عالمي، وهوّ اللانجيري التنكري، أو ملابس النوم الخاصة بالسيدات التي تأخذ شكل
أدوار معيّنة، هناك العديد من الرجال المهووسون بتنويعات مختلفة من الملابس، وهناك
نساء أيضاً مهووسات بأزياء معينة وأدوار معينة حينما يتعلق الأمر بالممارسة
الحميمية، تحدثت مع رجال ونساء وأصحاب محلات، لاستكشف أكثر العوامل التي تصيغ
جنسانيتنا في بعض المناسبات المتعلقة بالحب والجنس.
ارتبط اللانجيري دائماً في المخيلة الشعبية المصرية
-والعربية – باستعداد الأنثى المُشتهاة لممارسة جنسية رائقة ومُرضية، بدءاً من
تغيير الملابس التقليدي الذي كنا نشاهده في الأفلام الأبيض والأسود، من جلباب
المنزل القطني، إلى القميص اللامع المصنوع من الساتان أو قماش" اللاميه"
في إشارة إلى الاستعداد للسرير.
بتطوّر الزمن، لم يعد قميص النوم، صناعة منزلية أو
صناعة "الخياطة"، وأنتقل الأمر إلى "الدلالة" التي تشتري من
مصنع صغير أو من سوق بعيد، وتلف على البيوت لتعرض بضاعتها، وبعد قليل أصبح إنتاج
اللانجيري، له خطوط موضة ومصانع كبيرة ومواسم للشراء، وأصبحت هذه التجمعات من
النساء أسواق محتملة دائماً، مع تحول العالم للرأسمالية وفتح باب الاستيراد على
مصراعيه، وتحويل كل شيء إلى سلعة قابلة لتحقيق ربح وعائد.
مع التنوّع الكبير في الأشكال والموضة السنوية التي
تتغيّر، واشتداد المنافسة على إثارة الشركاء، دخلت "ثقافة" الأفلام
الإباحية في تشكيل ذائقة المشترين، ومع انتشارها حول العالم في موجات من
"العولمة" مع أجهزة الفيديو، ولاحقاً الإنترنت، بدأت تظهر رغبات أخرى في
مضاجعة "الأزياء الرسمية"، مثل الطبيبة والتلميذة وضابطة الشرطة أو
الجيش، وغيرها.
تصوير: وئام مختار |
يرمز الزي العسكري أو الشرطي إلى الذكورة بطبيعة
الحال، يحمل في طيّاته مفاهيماً ذكورية عن السيطرة والقوة، ترتبط فيه الشهوة الجنسية
بالقدرة على الإخضاع، أو تخطي المألوف من العلاقة بين رجل وامرأة، وارتداء المرأة
معالم ذكورية يكون مثيراً لكثيرين لم يتعودوا رؤيتها كذلك في الواقع.
تحكي لي هناء، وهي تعمل في
وظيفة إدارية، وفي الثلاثين من عمرها، عن تجربتها الوحيدة في ارتداء الملابس
الجلدية السوداء مع جيبة منفوشة وطوق، كانت تجربة واحدة ولم تتكرر لأن شريكها ذو
الخامسة والعشرين، فوجئ جداً وتوتر وانقلب إلى تلميذ صغير لا يعرف كيف يتصرف، وهذا
التوتر جعلها تنقبض وتفقد مزاج اللحظة، ولم تتمكن من انقاذ الموقف، ولم تكرر
التجربة مرة أخرى بأي زي آخر.
كانت سعيدة بالزي وبصورة
جسدها فيه، ولكن يبدو أن الرجل لا تعجبه المفاجأة دون تمهيد يسبقها.
أما أمينة، فجربت زي ضابطات
الشرطة والبحرية، بكامل قيود الأيدي والقبعة والشارات، في أواخر عام 2013 تقريباً،
زوجها بالفعل يحب هذه الملابس التنكرية ويحب تجربة الجديد منها، يلفت نظرها أنها
صناعة الصين، كحال كل شيء الآن، لا تترك الصين مجالاً إلا وتخترقه.
طلب منها زوجها أن تصطحبه في
الشراء لأنه خجول بعض الشيء، لقد تزوجا عن حب وسنهما متقارب، ويعملان في مجال
الأدوية، كانت صداقتهما متينة قبل الزواج ويتحدثان في كل شيء، هما الآن في
الثلاثينيات من عمرهما، وتزوجا منذ خمس سنوات تقريباً، تشاركا كل التفاصيل
والاتفاقات المادية ليصلا إلى شكل العلاقة المريح لهما بعيداً عن الأهل وتحكمهما.
تظن أمينة أن غرام زوجها
بهذا النوع من اللانجيري، قادم من الأفلام الإباحية الأجنبية، فهو يستثار جداً
ويحرص على تجربة أشياء مختلفة وجديدة، ويؤثر هذا على سخونة العلاقة الحميمية
بينهما، فعندما ترتدي زي ضابط الشرطة، تكون العلاقة الحميمية أكثر حدة وقوة، شعوره
بالنديّة يتجلى أكثر من ارتدائها للانجيري العادي المصنوع من الساتان والألوان
"الأنثوية"، فتشعر أمينة بالمزيد من الإشباع والرضا عن العلاقة، فتخرج
من ذاتها اليومية، وتنشغل بالملابس وإكسسواراتها وتتصور نفسها ضابط بالفعل، فتكون
أكثر عنفاً في فرض رغباتها، وتشعر بالمزيد بالسيطرة على الإيقاع، فهي لا تحب أن
تقود الأمور عندما يتعلق الأمر بالحميمية، ولكنها تطلب ما يسعدها بحرية وقوة أكبر،
ويشعر الزوج وقتها بقوتها وأنه يجب أن يضاهيها ويتحول الأمر إلى لعبة حرب صغيرة
ممتعة.
يقول رجل على موقع قورا Qoura مجيباً على تساؤل أحدهم بشأن السبب وراء الانجذاب الجنسي للنساء
في ملابس الجنود: "تلعب الملابس النظاميّة على احساسنا بالقوة، والجنس في
مجمله أو في جزء كبير منه، يتعلّق بالقوة، إذا كنت منجذباً لفتيات المدرسة أو
الممرضات أو الشرطيين أو الجنود، وهذا يختلف من شخص لآخر، فهذا يتعلّق برؤيتك
وفهمك للقوة، ولكن في نهاية المطاف لا يمكننا إغفال أن الملابس النظامية تلعب
دوراً في الانجذاب الأول، وايحاء ملابس الجيش بالقوة في المرأة التي أمامي يجعلني
أرغبها بشدة."
يجد النساء ملابس العسكريين جاذبة جداً، فهي تفرض
تصور ذكري يمثل البطولة في مختلف السيناريوهات، وعلى العكس، فالبطولة ليست جاذبة
جنسياً للرجال كصفة
في النساء، كما أفادت جوست لوينسن أحد مؤلفي دراسة
عن الدليل التاريخي والتجريبي للانجذاب الجنسي لأبطال الحروب، فالنساء تنجذب
للرجال ذوي الملابس العسكرية لما تمثّله من معاني الولاء والبطولة واللياقة
الجسدية العالية، أما الرجال فيجدون أن هذا المعنى ينحصر فيهم فقط ولا يمكن
الانجذاب له في بطلات الحرب.'"
في السنوات الأخيرة، بدأت ظاهرة الملابس التنكرية في
غزو محلات وسط المدينة وما حولها، بأسعار في متناول اليد، وبفتارين تتبدل في كل
مناسبة تستحق احتفالاً جنسياً، وفي ظاهرة غير مألوفة بعد ثورات الربيع العربي في
2011، وبالتحديد في عام 2013، بدأت المحلات في الاحتفاء باللانجيري التنكري، وامتلأت الفتارين بلانجيري يشابه الزي المموه
لضباط الصاعقة، واللبس العسكري النظامي، ولبس ضباط الشرطة، وعلى استحياء جانبهم،
اللبس التنكري للممرضة والخادمة والتلميذة.
وقتها علّق الناشطون على الإنترنت عن مدى سخافة ارتباط
الخيال الجنسي بالأحداث السياسية في مصر، وكيف يمكن لرجل أن يرى في شريكة ترتدي
ملابس الجيش، أو ترتدي قميصاً عليه صورة الرتبة الكبيرة شيئاً مثيراً، أو أن يراها فيتذكر الشرطة العسكرية أو دوريات حظر التجول
الذي تم اقراره في فترة متقاربة، لكنهم يتناسون أن خلف هذه الأزياء إيحاءات
بالانضباط والكفاءة والإنجاز والذكاء وهي كلها صفات مُشتهاة، لا تريد المرأة فقط
أن تراها في الرجل، ولكنها تريد أن تشعر بها في ذاتها.
لكن الصين
وتركيا لا يتركان شيئاً للصدفة، ولا أصحاب المحلات اللذين يحاولون الترويج
لبضاعتهم بأي شكل، ففي حديث مع خالد أحد أصحاب المحلات المتخصصة في بيع اللانجيري بوسط
البلد في شارع قصر النيل، قال: كل البضائع من هذا النوع من اللانجيري تركية أو
صينية، والصيني أكثر، لأنه الأرخص ثمناً، فيما يتركز إنتاج المصانع المصرية في
الشكل العادي لقمصان النوم، ونحن نضع الإثنين في فترينة المحل لنرضي جميع الأذواق،
في نهاية المطاف نحن نحاول أن نبيع بضاعتنا الترفيهية في ظروف اقتصادية صعبة.
وتخبرني إيمان البائعة في محل آخر: نحن نعمل في
الإنتاج المصري فقط، ولكن الطلب على اللانجيري التنكري عالِ جداً، كثيرات يسألنني
عنها، خصوصاً قبل اقتراب مناسبات مثل رأس السنة وعيد الحب.
يبدو أن النساء في العاصمة
يقدن عمليات الشراء، برغم ادعاءات الرجال أنه لا يوجد فارق ملحوظ في العملية
الجنسية بتغيير الملابس – كما أخبرتني إحداهن – إلا أنه بعد فترة من الزواج
والممارسة، يظهر الفارق في الإيقاع بالتغيير والتجديد في اختيار اللانجيري، وهو ما
تراهن عليه النساء دوماً.
وبالحديث عن رأس السنة
مثلاً، ففي المنطقة العربية لا يوجد ارتباط ثقافي ببابا نويل، ولا ذكريات طفولة
مشتركة مع تحقيق الأمنيات في إجازة الكريسماس، ورغم ذلك، انتقل الهوس العالمي
بالسيدات اللاتي يرتدين زي بابا نويل إلى محلات اللانجيري، قادماً من الأفلام
الإباحية التي تنتج خصيصاً لتلبية رغبات المشاهدين في الجانب الآخر من الكرة
الأرضية في إجازات الكريسماس، واستمتاعهم بشريكة ترتدي زي الرجل العجوز الأحمر
مطعماً بالفراء بالأبيض.
فيما جربت آمال، وهي
أربعينية، أن ترتدي لبس بابا نويل لزوجها في ليلة رأس السنة، لينفجر الرجل في ضحك
هيستيري، تبخرت معه أحلام الليلة، طوّرت صديقة أخرى هوساً باللانجيري الموسمي،
وأصبحت تمتلك أشكال متعددة منه، رغم عدم اهتمام الرجال بالفكرة، ففي النهاية يظل
الوضع انها ترتدي زياً قصيراً أحمر اللون.
لكن اللانجيري الذي يماثل
ملابس ضباط الجيش والشرطة والبحرية وما إلى ذلك، له وضع آخر، فالرجال يطلبونه من
شريكاتهم أو زوجاتهم، فيما يمثل لآخرين معنى قوي لا يتمكنون من التصرف تجاهه أو
الشعور حتى بالإثارة.
جانا، لديها اثنان وعشرون
عاماً وميلاً للتجريب، جربت بالفعل لبس ضابط الجيش والشرطة وأشياء أخرى، العام
الماضي، تحب جانا اللانجيري "التنكري" كما تسمّيه، وترى أنه مثير جداً
جنسياً، ويجعلها تشعر أكثر بنفسها وترضى عن جسدها وجاذبيته الجنسية، ترى بالمقابل
أن الرجال لا يعطون هذه الملابس حق قدرها، لكنها تعطيها شعور أنها الأقوى في
العلاقة، ليس بشكل سادي ولكن بشكل مثير، فهو يجعل ا لمرأة تشعل بالقوة والسيطرة
مما يعطيها ثقة في نفسها بشكل أكبر، وبالتالي تستطيع التحكم في العلاقة الحميمية
مثل الرجل، وهذا بالطبع عندما يكون الشريك متفهماً لهذا، فيما يكون اللانجيري العادي
دعوة منها لأن يتحكم الرجل في إيقاع العلاقة الحميمية بالشكل "الطبيعي".
شريكها ذو السادسة والعشرين
عاماً، رجل شرقي لا يحب القوة "الزائدة" لكنه يسمح بمساحة للمناورة عندما
يكون الزي الذي ترتديه المرأة ينضح بها، قد لا تخضع النساء هذا الموضوع للملاحظة
الدقيقة، لكن جانا كانت تجرب كل الأشكال الممكنة من اللانجيري حتى وصلت لهذا
التفسير.
أما بالنسبة للون الأحمر
والقلوب ورموز الحب التي تميّز الفالنتاين، فالمحلات هي الأكثر تأثراً بهذه
التغييرات، حيث تتحوّل واجهاتها للون الأحمر مهما كان ما تبيعه، تماشياً مع
المناسبة العالمية، ومحاولات إدماج ثقافتها الغربية في الثقافة المحلية،
فالفالنتين قادم من خلفيّة الأعياد المسيحية، احتفالاً بالقديس فالنتاين، الذي كان
يزوّج الجنود المسيحيين المحاربين، ضد إرادة الإمبراطور، مرتدياً خاتماً بصورة
كيوبيد والقلب القرمزي، وقبل إعدامه بقليل، شفى ابنة جلاده من العمى، وكانت آخر
رسائله قبل الإعدام مباشرة، أغنية حب لها، كتب في آخرها:" المحب فالنتين yours valentine"
وهذه الجذور التاريخية للحب،
يتم استخدامها اقتصادياً جيداً، ففي الولايات الأمريكية المتحدة وحدها، يتم انفاق
ما يقارب 18.2 بليون دولار سنوياً على الهدايا وكروت المعايدة في فترة عيد الحب،
بواقع 136.75 دولار للفرد الواحد، حسب آخر إحصاء لعام 2017، لا توجد إحصاءات لمصر أو
المنطقة العربية، لكننا نشاهد كل عام تزايد مظاهر الاحتفال الاستهلاكي بالمناسبة،
في تحوّل فتارين المحلات إلى اللون الأحمر مهما كان المنتج بداخلها، وبغض النظر
عما إذا كانت له علاقة بالحب والعلاقة الرومانسية بين اثنين أم لا، لاغين الاعتبار
الثقافي والديني في عدم جواز الاحتفال بمناسبة جنسية مثل الفالنتاين، تغذّي
الخيالات الجنسية والمأكولات والمشروبات المحفّزة لها.
يقول د.نبيل القط استشاري
الطب النفسي، أن الفالنتين ورأس السنة، ولونهما الأحمر المتقارب، مناسبات ترتبط
بحالات شعورية من البهجة والفرح والانطلاق، وهذه هي العوامل التي تؤدي إلى جنس جيد
وعلاقة مُرضيَة للشريكين، وبالتالي فاستغلال هذه المناسبات في المزيد من المرح
والتجريب الجنسي برغم عدم وجودها في السياق الثقافي أو الارتباط العاطفي، هو ميل
انساني عادي وطبيعي.
فيما ينظر إلى اللانجيري
المشابه لملابس الضباط والقادة بشكل آخر، فبعد ثورات الربيع العربي، تحركت النساء
للمطالبة بالحقوق الأساسية، نساء عاديات ليس لهن أي نشاط فكري أو سياسي، لكن مسّهم
شيء من الحرية والشعور بالذات، ففتح هذا الباب للمرأة أن تستمد قوتها من داخلها،
من نفسها وليس من الابن أو الرجل أو الآخر عموماً، وانتقل هذا الشعور للعلاقة
الحميمية، فأصبحت أكثر ثقة بنفسها وميلاً للتجريب، وهذه الملابس القوية التي توحي
بالقوة، هي من تجليات هذه "الأنوية" الجديدة.
كما أن انتشارها في المحلات
ونشاط حركة البيع والشراء عليها، يمكن إرجاعه إلى التفكك السياسي الذي حدث وما
سبقه وتلاه من تفكك اجتماعي، أدى إلى تهلهل الأدوار الاجتماعية، وأعطى فرصة للنساء
أن تتحرك كما تريد وأن تقود بعض أجزاء العلاقة مع الرجل، ولهذا ربما اشترت النساء
لانجيري يشبه ضباط الجيش والشرطة، فهي تعجب بهم في الواقع، لكنها لا تستطيع الوصول
إليهم، فمؤسسة الجيش كانت شيئاً خفياً، نعرف بوجوده من خلف الستار ولا نراه، كشيء
مقدس، فجأة أصبح في الشارع، وأصبحت هذه السلطة الغيبية أقرب ويمكن لمسها والتعامل
معها بل والاشتباك مع رموزها، أصبحت في متناول اليد ويمكن ممارستها واكتسابها،
فرُفع التقديس وانتقلت هذه المشاهدات إلى لعبة جنسية مثيرة في السرير.
وبالحديث عن التأثيرات
الثقافية، فأثناء جولتي في المحلات التي تبيع اللانجيري على مدار الفترة السابقة،
لاحظت أن التأثير الثقافي لنا لم ينعدم تماماً في هذا البحر، فعلى أغلفة قمصان
النوم على اختلاف بلد المنشأ، كانت هناك صور لفتيات بمقاييس جمالية مختلفة، تبدو
مصريّة قليلاً من حيث امتلاء الجسد وطول القامة، لكن الوجه لا يدل أبداً على
صاحبته، بشعر أشقر وعيون ملوّنة، وعندما سألت أحد بائعي المحلات عن السبب، أخبرني
أن المشتريات المصريات، لا يجدن أنفسهن على الأغلفة، وبالتالي لا يتخيلن شكل
القميص عليهن ويرفضن شرائه، فعندما تشاهد المرأة جسداً رفيعاً جداً وطويلاً يتكوّن
لديها انطباع أن جسدها لن يكون جذاباً في الموديل المعروض، مما أدى لتدهور معدلات
البيع، فتفق ذهن بعض العاملين في تعبئة وتغليف اللانجيري، عن عمل جلسات تصوير
لفتيات مصريات، شريطة أن لا تظهر وجوههن على الأغلفة، فالفتيات يرفضن أن تُعرف
مهنتهن، وهكذا خرجت الصور بالفوتوشوب، بجسد مصري ووجوه أجنبيّة، لتغذّي خيال
المصريات وتقنعهم بقبول صورة جسدهن كما هو، وبالطبع بشراء القميص اللعوب في الطريق.
Comments
أنا متابعة مقالاتك من فترة، ومعجبة جدا بمواضيعك واجتهادك
استمري
أشكُرك بشدّة يا لبنى! مبسوطة بمتابعتك وبتعليقك على المدوّنة! بقالي زمان جداً ما شفتش حد بيهتم وبيعلّق هنا
:)) <3
https://www.alzaemat.com/kids-eyewear/