تعبيرٌ بَليغ



بدأ الأمر بكلمة بسيطة تتردّد في رأسي عن الإشتياق .. كيف تُفسّر اشتياقك لأشياء لم تحدُث؟ والأهم كيف تفسّر اشتياقك لأشياء حدثت بالفعل؟ لا داعي أبداً للاستهانة بالسؤال الثاني .. أليست السعادة رغبةٌ في التكرار؟
في الوقت الذي تتوالى فيه بعض الأسئلة في رأسي عن توصيفات مناسبة للمشاعر، وللأسباب، ومحاولات للقفز فوق حواجز اللُغة، كان قلبي يبدأ في الاستماع إلى الحديث الدائر.. يعودُ إلى أعوامٍ سابقة ويسأل.. كيف مرّت بلا اشتياق؟
يبدو صعباً أن يُصدّق .. الاشتياق عندي لحظة، قد أمسك بها وقد أنساها في خضم الحركة اليوميّة الدائمة، عندما اختبرت الفقد بمعناه الكبير مُتمثلاً في الموت عاماً وراء الآخر، اشتقتُ للسنين التي كُنت أتمتّع فيها بكامل الصُحبة، لكن شيئاً في داخلي عاد لينغلق في وجه الماضي بعد قليل.

أعودُ إلى الكتابة بعد انقطاعٍ آخر.. لقد كانت السنوات الماضيَة قاسية، والشهور كذلك، والأسابيع الفائتة أيضاً، في كُل يومٌ أواجُه قدراً عابثاً أو صحيفة دُنيا مليئة بالمفاجآت والإمتحانات والابتلاءات.. أريد أن أسجّل اللحظات الحلوة أكثر ممّا مضى .. وأمسُكُ بيديك بين راحتيّ لأطوَل وقت مُمكن، وأحتضنك طويلاً عسَى أن تمنحني روحَك بعض الشجاعة والحِكمة في مواجهة قَدَري.

ثم بدأ الاشتياق في الاتصال.. اشتياقٌ دائمٌ. خفيفٌ وقع خُطاه، يبدو بعيداً في عُمق الصورة، ويبدو ضئيل الأهميّة في مؤخرة الرأس، لكنّه ثابتٌ في غرفةٍ من غُرف القلب، يؤلمُ النَفَس في الليالي الطويلة، ويقرص الرُوح حين تُحاول الاحتيال عليه.

أجلسُ في نفس المكان وأتذكّر لقاءنا الأوّل.. كُنت أريدك وأخَاف.. أخاف وأريدَك.. صغيرةٌ بين يديك تتمنّى أن تُقبّلها في الشارع، وتنتظر اطراءاً على صَندلِها الجديد، وتتمنّى ألا تراك ثانيةً.

شيئٌ في عينيك هذهِ المرّة سَاقني إلى اللّهفة، لكن اللّهفة لا تكفي، الدُنيا في يميني.. والسنين دائماً لا تكفي، أقولُ لها إن تجُودي، فصِليني.. فتوصِل الاشتياق بالليل بقلبِي بكَ بنفسِي.. يا لَهْفَ نفسِي..

أذوبُ في الجُملة.. يا لَهْفَ نفسِي! يا لَهْف قلبِي!

ينبضُ قلبي بدقّات زائدة تحيّةً للتعبيرالبَليغ.. ما بيننا: اشتياقٌ مَوصُولٌ وقَسوةٌ ولهفةٌ ودُنيا مِلكُ اليمين، وشيءٌ من حُزنِ هذهِ الجُملة:
" يا لَهْفَ نفسِي عليك.."

Comments

Popular Posts