والبَحر؟




آخِر ملاذ من حموريّة الناس .. أليس كذلك؟

طبعاً .. ويبدو آخر ملاذ من أشياء كثيرة بداخلنا أيضاً .. المشكلة ليست طوال الوقت في "الناس" .. في "الآخرين" .. أو حتّى في "الحشود" .. حتّى في أغلب الإنقلابات العسكريّة .. يُمكنك دائماً أن تُلخّص المشكلة في فَرْد.. تحديداً في داخِل فرد.

تتشابك الحياة وتتعقّد .. وتتشابك أصابعنا أيضاً في تواطئ مُبتسم على تعقيد الحياة، وأنا أيضاً ابتسم .. بحثاً عن مكاني على شاطيء جديد، ولمحة جديدة من حياة أخرى، كأي فتاة صغيرة أحب البدايات، وأحب من يعدُني بها، وربما هذا الحُب للبدايات الجديدة، هوَ ما يدفعني أحياناً لإنهاء الحكايات بشغف، انتظاراً لبداية أخرى في مكانِ آخر .. أليست النهاية - ببسَاطة - بداية؟

بعيداً عن السرد المُتداخل في ألف ليلة وليلة، أحاول فَك تشبيكَة الأصابع، والبَحر يبتسم حين يلمحُ خطواتي تقترب من النهايَة.

في هذهِ المرّة .. كان البَحر أزرق جداً، وهناك درجة من الأزرق مهما حدَث للدُنيا وللناس لن أستطيع الفكَاك منها، ,وهذا البَحركان يُخرجها لي من أحلامي هذهِ المرّة ..لا.. ليس من أحلامي تماماً، كان يُخرجها من مكانٍ دفينٍ في نفسي، يحلُمُ بدرجةٍ من الأزرق لا تتكرر ولا تنبغي لأحدٍ غيري، كأنّي أحلمُ بمُلكٍ يمتدُّ مِلءَ البصَر وينتهي عند قدميّ.

يقولون أن الأزرق لونٌ ملَكيّ، وأنه مع الأحمر، لونا بُرجِي الفلكيّ، ولا يخفَى أنّي أهتّم، وأننّي عندما أهتم أظهر ذلك، في الحقيقة أنا أستمتع بإظهار الإهتمام، والبَحر كان ينظُر لي ويبتسم.. البحر ذكي، يعرف أن وراء هذا الإهتمام قُدرةٌ على الإستمتاع بالقطيعةِ أيضاً، ولهذا كان يناديني لأغرق في كُل مرّة تبتعد قدماي عن القاع، وكلعبة أصبحت مألوفة بيننا في اليوم الثالث، كُنت أداعبه بقدمي قليلاً وأسحبها، ألتقط صُورةً لنا ..قبل أن أعود إلى الشاطيء مرّة أخرى.. فقط لأراه يتفهّم .. ويبتسم .

أمشي على شاطيء جديد، لا يعرفُ شيئاً عني.. رُبّما تناثرت له بعض الأقاويل من هنا أو من هناك، ربّما ردّد العابرون شائعات، أو حكاياتٍ لم تكتمل عن احتمال وجُودي، لكنّه لم يكن متأكداً من ذلك، ولا أنا .. كُنّا نلمح بعضنا في الصور.. في الأجازات السنويّة يمُر الاسم في مخيّلتي فقط لتتغيّر الوِجهة، وكبحر يعرف أن له ميعاداً، كان ينتظر..

لماذا حدث هذا الآن؟ لا أعرف.. رُبّما إذا حكى لي في يومٍ عن المواعيد، والنصيب، سأستمِعُ بشَغف، كلصّة حكايات تُحب ما تسرَقه، وتحتفظ به في مكانٍ أمين، لكنّي الآن أتعرّف عليه .. رُويداً .. أعودُ لعاداتي وأضُّمُ إليها عادات جديدة وألوان جديدة، أفكّر في التزاماتٍ طويلة، وفي أماكن أخرى لا تعرفني أيضاً.. من أين تأتي بهذهِ الدَرجة من الزُرقة يا جَميل؟

تبدو الحكايات القديمة بعيدة .. كأنني أخيراً أستطيع المشي على قدميّ مُجدداً، هناك بعض الندُوب، لكّن زُرقة هذا البحر تدفعها للإلتئام، خساراتٌ مرّت وفَقْد، تغيّرت الإتجاهات كثيراً ودارِت الأرض دورتها، وهذا بحرٌ جريء .. يُطهّر جروحي، لكنّه يسأل بعينين عابثتين: هل أنتِ راضيةٌ عن اختياراتِك؟

هل تريد أن تعرف حكايتي كما حدثت؟ أم كما أحكيها؟ أستطيع أن أضيف بعض المخلوقات السحريّة إلى الحكاية الأصليّة، لكنّي لن أكذب أبداً في كُل مرّة صدّقت فيها رسائلك البعيدة، وفي كُل مرّة صدّقتُ أننا سنلتقي وستُظهِر لي هذهِ الدرجة من الزُرقة التي تنبُع فقط من داخلي.
لربما سمعت كيف يحكيني الناس.. ولكن حقيقة ما حدَث هي مُلكي الذي لا ينبغي لأحد، وهذا مكاني من العالم .. أعرف عنه بعض الإحداثيّات الآن.. لطالما كنت أعرف مكاني في قلب البحر.. لكن بحراً بهذهِ الزُرقة احتاج الأمر وقتاً كي أتثبّت من المِعرفة.. هذا مكاني يا بَحر .. فهل عَرفتَ أنتَ مكانك؟
الصورة لبحر دَهب - مصر - يوليو 2016 بعدسة نهاد زكي.

Comments

Popular Posts