سبَع حكايات عن الوَحشة


في اليوم الأوّل لا تتحرّك، يبدو الأمر كأن البيانو سقَط على رأسك، وأنت تسير في شارع مزدحم تحفّه الأشجار والورود وتتطلّع نحو غدٍ مُشرق، خطواتك قليلة، غير محسوبة، مُرهقة، لا تبحث عن شيء لكنّك تفتقد كُل شيء، لا تعرف شيئاً لكن بداخلك فراغ لا يملؤه أي شيء، تحاول مع الآيسكريم، أحاول مع أم كلثوم، المسيح نفسُه يتعجّب، تخسَر نفسك لتربح العالم؟

في اليوم الثاني، تُشرق الشمس، تراها، ما بين نومٍ وصحو، ترى نفسك في يبابٍ قفر، صحراء، تكاد تلمس الصبّارات المُتحجّرة بيديك، وتكاد تلتقط صورة للسراب، تمشي بخطوات بطيئة كأن أطلسك الجغرافي القديم لم تعد به إلا صفحة الجُزر المنعزلة، تتذكّر شيئاً عن الطعام، لكنك لا تذكر كيف كان بالضّبط، كيف أنقلب السحاب فجأة وتبدّد؟ كيف خدعك القمَر؟ لماذا يمُور المُحيط في جوفي بلا توقّف؟ كأنّ الدنيا بداخلي، وكأنّها لا تريد أن ترتاح أبداً..

في اليوم الثالث، أجدني ليلاً، يمكن الإستسلام للمياه المُندفعة كمَا الراكدة، كُل المياه بلون الغرق كما قال سيوران، من أوّل النيل وحتّى كوب الماء الصغير في يدي، أستسلم لقطرات الماء المُنهمرة على جسدي العاري، أنظر للحائط لأرى قطرات تتركّز، أمد يدي لألمسها، أكاد ألمسك في كل قطرة، كُل قطرة تنحدر على جسدي، كأنك تسيل عليّ، كأنّك تنحدر على الحائط، أمد يدي مرّة أخرى لألمسك على الحائط لأجد القطرات تحوّلت إلى نمل، نمل كثير، أقتل نملةً فأخرى بالسبابة، وبعد قليل أكتشف أني ربما لا أريد قتل كُل النمل الذي في العالم.

في اليوم الرابع، تهاجمني الأحلام، وتهاجمك على ما يبدو، لأنك تقاوم، ومقاومتك تقتلني، هكذا ببساطة، مقاومتك تتحوّل لإبر رفيعة، تتجّه مباشرة إلى نقاط الضوء في جسدي، وتكوي اندفاعات الحُب اللا إراديّة في شراييني، تنفُّسك يسحق رئتيّ، ودمُك في أوردتك يُحطّم قلبي، كُلُّ شيء تراه يحتشد في عينيّ، وتسقُط الدموع تريد أن تعود إلى مجراها في عينيك..
 أرتمي مُنهكة، بين النوم والصحو، أريد أن أستيقظ! أريد أن أفيق الآن! لا أريد أحلاماً أخرى وأكاد أكفر بأنها تعرف أكثر، لكنّها تعرف أكثر..

في اليوم الخامس، ألتقط شَعري من الفرشاة، وألتقط شَعري من فوق الوسادة، وألتقط شَعري من بين أصابعي، وألتقط شعري من بين أصابعك، أمسك بأصابعك واحداً واحداً، وأسحب منه كُل شَعرة، وكُل لمسة، وكُل رغبة، وكُل حلم، وكُل كلمة، وكُل حرف، وكُل نظرة، وكُل قطرة دم، وكُل مسامة في الجلد، أسحبني من خلاياك، علّني أعود إلى نفسي.

في اليوم السادس، أفكّر، وأتذكّر، أتذكّر وأفكّر، تتسع خطواتي على الأرضيّة الباردة، أنت وحدك، وحدك يعني بلاي، وأنا بلاك، ذهبنا لآخرين، هل تعرف ماذا تعني وحدَك؟ وَحد قلبك، ابتسم لأنّك تعرف، أمشي على الرمال، أريد أن أعود إلى قلبِك المسكين، لكّن كُل خطوة إلى الخلف تكوِيني، أريد أن أعود الآن وأترُك الدُنيا تحت قدميك، لكّن الرمَال تتسّع، تلسعني قليلاً، لم تعد مُتحرّكة.

في اليوم السابع، تظهر الحروف وتتكوّن الكلمات، تتداعى بعض الصُور وتذهب، أنا لا أستحّق صوراً تموت، هذهِ الصور تموت، تموت كأنها جنين غير مكتمل النمو، تموت كأنها وُلدت بعيب خلقيّ، تموت كأن العالم انتهى، والعالم خارجها ينضحُ بالحياة، هل كان الحُب؟ أبداً، واللهِ أبداً، قلبي تفتت، ودمي سال على السياج حَدُّ نظرة، وتوقفت أشجار الفاكهة في ركنٍ ما من العالم دهشةً من ذهابك، وكُل النظرات التي نظرها العشّاق إلى الخلف كانت تنتَظِرك..

في نهار اليوم الثامن، أستيقظ، أرى غُرفتي، والنجوم التي تُضيء السقف الصغير، قد تحرّك العالم إلى الأمام قليلاً، وقلبي كعائدٍ من بُعدٍ آخر، يتحسس طريقُه، يتوكّأ على الموجودات، ويسألني عمّا حدَث.. فأجيبُه: لا شيء.. أوحَشني..

Comments

Popular Posts